إن الأديان السماوية كلها تؤكد على معيارين:
الأول: معيار تعبدي نستفيد فيه من علم العالم المطلق وهو الله تعالى وهو تعليمات الدين الثابتة، والتي نتأكد من كونها صادرة من الله سبحانه، ذلك إننا نتأكد قبل ذلك من علم الله الشامل، ومن لطفه ورحمته بالإنسان المخلوق ومن عدالته وتمتعه بكل صفات الكمال، فهو لا يريد بالإنسان إلا الخير ولا يخدع الإنسان وانما يكشف له كل الواقع ويريد له كل الخير.
الثاني: معيار وجداني يكفي فيه التأمل في الاعماق وقناعاتها، أو فلنعبر بأنه يكفي فيه الرجوع إلى الفطرة نفسها.
وما يساعدنا في اكتشاف العمق الفطري هو كون هذه القناعة – أيّة قناعة كانت – من ملازمات الطبيعة الإنسانية، ولذلك نجدها متوفرةً لدى كل أبناء الإنسان في مختلف ظروفهم وحالاتهم الفردية والاجتماعية وأزمنتهم وأمكنتهم.
ولكي نتأكد من هذا المعنى نستطيع أن نطرح هذا السؤال على أي إنسان (هل تعتبر أن السلوك الفلاني سلوكاً إنسانياً أم سلوكاً حيوانياً) فمثلاً لنركز على (قتل اليتامى والعجزة والمستضعفين للتلهي والتشهي) مثل هذا السلوك يعد سلوكاً وحشياً من قبل اي إنسان بلا ريب والقرآن الكريم أحياناً يعيد الإنسان إًلى تأمله الوجداني وقناعته الفطرية حينما يقول: (أحلّ لكم الطيبات) (7) ويترك أمر تعيين الطيبات له ، ويقول (إنَّما حَرَّم ربّيَ الفواحشَ)( ويترك أمر تعيين الفواحش له أيضاً ويعتبر الخروج عن الحالة الإنسانية (فسقاً) وانحرافاً عن الطبيعة (نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (9).
* الملاحظة الثالثة:
ان التركيبة الوجودية الفطرية تتطلب التواصل الفكري مع الآخرين عبر صياغة الفكرة داخلياً ونقلها عبر الطريقة الرمزية واللغوية الى الآخرين والتعرف على ما يفكر به الآخرون ليتم التفاعل بين الأفكار وبالتالي تطويرها.
ولكن هذا التفاعل يحتاج الى قواعد يدركها الانسان بالوجدان اجمالاً وتبلورها وتوضحها ارشادات الوحي أيما توضيح، ونحن نعتقد أن الوحي ـ بالاضافة الى كشف المجالات المعرفية المجهولة لدى الانسان في سبيل تسهيل وصوله الى كماله ـ يستهدف ان يبرز له كوامنه الفطرية واستعداداته النفسية ويوضح له بجلاء ادراكاته العملية.
ومن هنا نجد القرآن الكريم يعرض امام الانسان نظريته الحوارية المتكاملة الشاملة لمرحلة ما قبل الحوار ولأهدافه ومواضيعه وأخلاقه وشروطه اللازمة كي يحقق هدفه المنشود دون ان يقع فريسة الجهل والتعصب والنرجسية والاعتداد بالنفس والعناد والخرافات والتقليد الاعمى والتهويش والاستخفاف وأمثال ذلك مما يتعقبه القرآن بكل دقة ويعمل على نفيه، وتنقية الحياة الفكرية منه ليتسنى للانسان أن يحاور بكل صفاء وموضوعية وبروح حضارية تواقة للكمال.
* الملاحظة الرابعة:
مما يتردد في بعض الكتابات أن الحوار يستلزم الاعتراف بالآخر، أو يعني التردد في الموقف وعدم الوثوق منه، أو يعني وضعه الى مستوى الفكر الآخر، وربما قيل إن موقف من يطلب الحوار هو موقف الضعيف الذي يطلب أن يعترف به الآخرون.
ولكننا نعتقد أن كون الحوار سبيلاً منطقياً انسانياً ينفي عنه كل هذه الأمور؛
فهو لايستلزم الاعتراف بالآخر ولايتطلب أن يعترف الآخر به وإنما يبحث عن مسيرة ومساحة مشتركة، أو عن ما إذا كان الآخر ينظر الى نقاط مبهمة لا يتفهمها ويحتاج الأمر الى توضيح ما. نعم، من شرط الحوار احترام الآخر وعدم الإساءة اليه أو إثارته ليخرج عن حالته الطبيعية وهذا منهج قرآني أصيل.
وهو أيضاً لا يعني التردد في الموقف بقدر ما يعني الثقة به وقد دعي الرسول(ص) ليقول للمشركين "وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" (10) وهو أعظم الناس إيمانا. إن الواثق لديه أقدر على الدخول في الحوار لأنه مطمئن من جوهرته الثمينة فلا يخاف عليها من نقد ناقد.
الأول: معيار تعبدي نستفيد فيه من علم العالم المطلق وهو الله تعالى وهو تعليمات الدين الثابتة، والتي نتأكد من كونها صادرة من الله سبحانه، ذلك إننا نتأكد قبل ذلك من علم الله الشامل، ومن لطفه ورحمته بالإنسان المخلوق ومن عدالته وتمتعه بكل صفات الكمال، فهو لا يريد بالإنسان إلا الخير ولا يخدع الإنسان وانما يكشف له كل الواقع ويريد له كل الخير.
الثاني: معيار وجداني يكفي فيه التأمل في الاعماق وقناعاتها، أو فلنعبر بأنه يكفي فيه الرجوع إلى الفطرة نفسها.
وما يساعدنا في اكتشاف العمق الفطري هو كون هذه القناعة – أيّة قناعة كانت – من ملازمات الطبيعة الإنسانية، ولذلك نجدها متوفرةً لدى كل أبناء الإنسان في مختلف ظروفهم وحالاتهم الفردية والاجتماعية وأزمنتهم وأمكنتهم.
ولكي نتأكد من هذا المعنى نستطيع أن نطرح هذا السؤال على أي إنسان (هل تعتبر أن السلوك الفلاني سلوكاً إنسانياً أم سلوكاً حيوانياً) فمثلاً لنركز على (قتل اليتامى والعجزة والمستضعفين للتلهي والتشهي) مثل هذا السلوك يعد سلوكاً وحشياً من قبل اي إنسان بلا ريب والقرآن الكريم أحياناً يعيد الإنسان إًلى تأمله الوجداني وقناعته الفطرية حينما يقول: (أحلّ لكم الطيبات) (7) ويترك أمر تعيين الطيبات له ، ويقول (إنَّما حَرَّم ربّيَ الفواحشَ)( ويترك أمر تعيين الفواحش له أيضاً ويعتبر الخروج عن الحالة الإنسانية (فسقاً) وانحرافاً عن الطبيعة (نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون) (9).
* الملاحظة الثالثة:
ان التركيبة الوجودية الفطرية تتطلب التواصل الفكري مع الآخرين عبر صياغة الفكرة داخلياً ونقلها عبر الطريقة الرمزية واللغوية الى الآخرين والتعرف على ما يفكر به الآخرون ليتم التفاعل بين الأفكار وبالتالي تطويرها.
ولكن هذا التفاعل يحتاج الى قواعد يدركها الانسان بالوجدان اجمالاً وتبلورها وتوضحها ارشادات الوحي أيما توضيح، ونحن نعتقد أن الوحي ـ بالاضافة الى كشف المجالات المعرفية المجهولة لدى الانسان في سبيل تسهيل وصوله الى كماله ـ يستهدف ان يبرز له كوامنه الفطرية واستعداداته النفسية ويوضح له بجلاء ادراكاته العملية.
ومن هنا نجد القرآن الكريم يعرض امام الانسان نظريته الحوارية المتكاملة الشاملة لمرحلة ما قبل الحوار ولأهدافه ومواضيعه وأخلاقه وشروطه اللازمة كي يحقق هدفه المنشود دون ان يقع فريسة الجهل والتعصب والنرجسية والاعتداد بالنفس والعناد والخرافات والتقليد الاعمى والتهويش والاستخفاف وأمثال ذلك مما يتعقبه القرآن بكل دقة ويعمل على نفيه، وتنقية الحياة الفكرية منه ليتسنى للانسان أن يحاور بكل صفاء وموضوعية وبروح حضارية تواقة للكمال.
* الملاحظة الرابعة:
مما يتردد في بعض الكتابات أن الحوار يستلزم الاعتراف بالآخر، أو يعني التردد في الموقف وعدم الوثوق منه، أو يعني وضعه الى مستوى الفكر الآخر، وربما قيل إن موقف من يطلب الحوار هو موقف الضعيف الذي يطلب أن يعترف به الآخرون.
ولكننا نعتقد أن كون الحوار سبيلاً منطقياً انسانياً ينفي عنه كل هذه الأمور؛
فهو لايستلزم الاعتراف بالآخر ولايتطلب أن يعترف الآخر به وإنما يبحث عن مسيرة ومساحة مشتركة، أو عن ما إذا كان الآخر ينظر الى نقاط مبهمة لا يتفهمها ويحتاج الأمر الى توضيح ما. نعم، من شرط الحوار احترام الآخر وعدم الإساءة اليه أو إثارته ليخرج عن حالته الطبيعية وهذا منهج قرآني أصيل.
وهو أيضاً لا يعني التردد في الموقف بقدر ما يعني الثقة به وقد دعي الرسول(ص) ليقول للمشركين "وإنا أو إياكم لعلى هدىً أو في ضلال مبين" (10) وهو أعظم الناس إيمانا. إن الواثق لديه أقدر على الدخول في الحوار لأنه مطمئن من جوهرته الثمينة فلا يخاف عليها من نقد ناقد.