قد تعادي شخصاً لأنه أساء لك أو اعتدى على حق من حقوقك، وهذا موقف مفهوم مشروع، وقد تعادي شخصاً لأنه ينافسك أو يزاحمك على مصلحة من المصالح أو مكسب من المكاسب، وهو أمر وارد وقابل للنقاش، أما أن تعادي شخصاً لأن له رأياً يخالف رأيك في قضية علمية أو دينية أو سياسية، فذلك موقف لا يسوّغه لك الشرع ولا العقل.
* الرأي: شأن خاص
والرأي كما في اللغة: هو الاعتقاد، والجمع آراء. أي ما اعتقده الإنسان وارتآه. تقول رأيي كذا، أي اعتقادي. والاعتقاد والعقيدة: ما عقد عليه القلب والضمير، وما تديّن به الإنسان واعتقده.
وبذلك فالرأي من شؤون قلب الإنسان، وهو من أخص خواصه الذاتية الشخصية، فلا يحق لأي أحد أن يتدخل في هذا الشأن بالقسر والقوة، كما أن التدخل في هذه المنطقة المحرّمة لا يجدي ولا يؤثر، فإذا ما حاولت أي قوة أن تفرض على إنسان رأياً أو تمنعه من رأي، فإنها لن تستطيع إلا إخضاعه ظاهراً، أما قراره الداخلي، وإيمانه القلبي، فيستعصي على الفرض والإكراه.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينفي إمكانية الإكراه على الدين وينهى عنه يقول تعالى: {لا إكراه في الدين}(1).
ورائع جداً ما قاله العلامة الطباطبائي حول هذه الآية الكريمة قال: وفي قوله تعالى {لا إكراه في الدين}، نفي الدين الإجباري، لما أن الدين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية يجمعها أنها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار، فإن الإكراه إنما يؤثر في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنية المادية، وأما الاعتقاد القلبي فله علل وأسباب أخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولد المقدمات غير العلمية تصديقاً علمياً، فقوله {لا إكراه في الدين}، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينياً ينفي الإكراه على الدين والاعتقاد، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعياً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله {قد تبين الرشد من الغي}، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرها، وهو نهي متك على حقيقة تكوينية، وهي التي مر بيانها أن الإكراه إنما يعمل ويؤثر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية(2).
من هذا المنطلق فإن التظاهر بالكفر إذا كان ناتجاً عن ضغط وإكراه، فهو مشروع ولا يناقض الإيمان المستقر في القلب، يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}(3) ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح الشرعي بالتقيّة، والتي هي: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق، اقتباساً من قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}(4).
فالرأي والاعتقاد لا يغيّره الضغط والقهر، والتظاهر بالتخلي عن ذلك الرأي لا يزيله من قرارة نفس الإنسان، بل قد يزداد ثبوتاً ورسوخاً، بدافع التحدي ورد الفعل.
كما ينقل عن قصة العالم الإيطالي (( غاليليو غاليلي 1564-1642م )) والذي اعترضت الكنيسة المسيحية وعلماء اللاهوت على آرائه العلمية حول حركة الأرض وأنها ليست مركز العالم، ولا هي ساكنة، بل تتحرك وتدور يومياً، وأن الشمس هي المركز، واتهم بالهرطقة والخروج عن الدين، وجلبوه إلى روما للمثول أمام محكمة التفتيش، فاعتقل في الحال، ثم استنطق وحقق معه بعد شهرين، وهدد بالتعذيب، ثم أصدرت المحكمة حكمها بأن يعلن (( غاليليو )) التوبة، ويتنكر لآرائه العلمية، فحضر أمام المحفل الكنسي، وركع على ركبتيه وراح يقرأ ما أجبر على قوله، لكنه عند خروجه من المحكمة عقّب قائلاً: (( ومع ذلك فهي تدور )) يقصد الأرض(5).
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى المجال للإنسان في هذه الحياة ليمارس حرية الرأي والمعتقد، فلم يفرض عليه الإيمان به عنوة، بل أنار له طريق الهداية، وترك له حرية الاختيار {إنا هديناه السبيل. إما شاكراً وإما كفورا}(6).
{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(7).
ولم يسمح الله تعالى حتى لأنبيائه أن يصادروا من الإنسان حرية رأيه واختياره، فهم يعرضون رسالة الله على الناس، دون فرض أو إكراه {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}( {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}(9).
وإذا كان للرأي هذه الخصوصية في نفس الإنسان، والموقعية في شخصيته، فكيف يحق لك أن تتدخل في هذه الخصوصية، وأن تعادي إنساناً أو تسيء إليه لأنه يمارس شأنه الخاص به في أعماق نفسه؟
إننا نعترف للآخرين بخصوصيتهم في سائر المجالات، كالأكل والشرب مثلاً، فلو رأيت إنساناً يعادي شخصاً لأنه لا يرغب في نوع معين من الطعام، أو يعزف عن لون آخر، لاستنكرت عليه ذلك، على اعتبار أن هذه الرغبات شأن خاص لا علاقة للآخرين بها، والحال أن الرأي آكد خصوصية، وأشد التصاقاً بنفس الإنسان.
* اجعل نفسك ميزاناً:
وأنت حينما تعادي زيداً أو عمراً لأنه يخالفك في هذا الرأي أو ذاك، هل ترضى أن يعاديك الآخرون على هذا الأساس؟ إنك لا تقبل أن يسيء إليك أحد لأنك تحمل رأياً معيناً، حيث تعتبر ذلك شأناً خاصاً بك، وتعتقد بأحقية رأيك، وعليك أن تعرف أن الآخرين يرون لأنفسهم ما ترى لنفسك.
وفي وصيته الخالدة لابنه الحسن (عليه السلام) يقول الإمام علي (عليه السلام): (( يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظِلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسِن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارضَ من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلَّ ما تعلم، ولا تقل مالا تحب أن يقال لك ))
إنها قواعد أساسية هامة في تعامل الإنسان مع الآخرين، ترجعه إلى ضميره ووجدانه، قبل أي شيء آخر.
* الرأي: شأن خاص
والرأي كما في اللغة: هو الاعتقاد، والجمع آراء. أي ما اعتقده الإنسان وارتآه. تقول رأيي كذا، أي اعتقادي. والاعتقاد والعقيدة: ما عقد عليه القلب والضمير، وما تديّن به الإنسان واعتقده.
وبذلك فالرأي من شؤون قلب الإنسان، وهو من أخص خواصه الذاتية الشخصية، فلا يحق لأي أحد أن يتدخل في هذا الشأن بالقسر والقوة، كما أن التدخل في هذه المنطقة المحرّمة لا يجدي ولا يؤثر، فإذا ما حاولت أي قوة أن تفرض على إنسان رأياً أو تمنعه من رأي، فإنها لن تستطيع إلا إخضاعه ظاهراً، أما قراره الداخلي، وإيمانه القلبي، فيستعصي على الفرض والإكراه.
لذلك فإن الله سبحانه وتعالى ينفي إمكانية الإكراه على الدين وينهى عنه يقول تعالى: {لا إكراه في الدين}(1).
ورائع جداً ما قاله العلامة الطباطبائي حول هذه الآية الكريمة قال: وفي قوله تعالى {لا إكراه في الدين}، نفي الدين الإجباري، لما أن الدين وهو سلسلة من المعارف العلمية التي تتبعها أخرى عملية يجمعها أنها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الأمور القلبية التي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار، فإن الإكراه إنما يؤثر في الأعمال الظاهرية والأفعال والحركات البدنية المادية، وأما الاعتقاد القلبي فله علل وأسباب أخرى قلبية من سنخ الاعتقاد والإدراك، ومن المحال أن ينتج الجهل علماً، أو تولد المقدمات غير العلمية تصديقاً علمياً، فقوله {لا إكراه في الدين}، إن كان قضية إخبارية حاكية عن حال التكوين أنتج حكماً دينياً ينفي الإكراه على الدين والاعتقاد، وإن كان حكماً إنشائياً تشريعياً كما يشهد به ما عقبه تعالى من قوله {قد تبين الرشد من الغي}، كان نهياً عن الحمل على الاعتقاد والإيمان كرها، وهو نهي متك على حقيقة تكوينية، وهي التي مر بيانها أن الإكراه إنما يعمل ويؤثر في مرحلة الأفعال البدنية دون الاعتقادات القلبية(2).
من هذا المنطلق فإن التظاهر بالكفر إذا كان ناتجاً عن ضغط وإكراه، فهو مشروع ولا يناقض الإيمان المستقر في القلب، يقول تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}(3) ويعبّر عن ذلك في الاصطلاح الشرعي بالتقيّة، والتي هي: التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق، اقتباساً من قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة}(4).
فالرأي والاعتقاد لا يغيّره الضغط والقهر، والتظاهر بالتخلي عن ذلك الرأي لا يزيله من قرارة نفس الإنسان، بل قد يزداد ثبوتاً ورسوخاً، بدافع التحدي ورد الفعل.
كما ينقل عن قصة العالم الإيطالي (( غاليليو غاليلي 1564-1642م )) والذي اعترضت الكنيسة المسيحية وعلماء اللاهوت على آرائه العلمية حول حركة الأرض وأنها ليست مركز العالم، ولا هي ساكنة، بل تتحرك وتدور يومياً، وأن الشمس هي المركز، واتهم بالهرطقة والخروج عن الدين، وجلبوه إلى روما للمثول أمام محكمة التفتيش، فاعتقل في الحال، ثم استنطق وحقق معه بعد شهرين، وهدد بالتعذيب، ثم أصدرت المحكمة حكمها بأن يعلن (( غاليليو )) التوبة، ويتنكر لآرائه العلمية، فحضر أمام المحفل الكنسي، وركع على ركبتيه وراح يقرأ ما أجبر على قوله، لكنه عند خروجه من المحكمة عقّب قائلاً: (( ومع ذلك فهي تدور )) يقصد الأرض(5).
وقد أعطى الله سبحانه وتعالى المجال للإنسان في هذه الحياة ليمارس حرية الرأي والمعتقد، فلم يفرض عليه الإيمان به عنوة، بل أنار له طريق الهداية، وترك له حرية الاختيار {إنا هديناه السبيل. إما شاكراً وإما كفورا}(6).
{وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}(7).
ولم يسمح الله تعالى حتى لأنبيائه أن يصادروا من الإنسان حرية رأيه واختياره، فهم يعرضون رسالة الله على الناس، دون فرض أو إكراه {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر}( {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}(9).
وإذا كان للرأي هذه الخصوصية في نفس الإنسان، والموقعية في شخصيته، فكيف يحق لك أن تتدخل في هذه الخصوصية، وأن تعادي إنساناً أو تسيء إليه لأنه يمارس شأنه الخاص به في أعماق نفسه؟
إننا نعترف للآخرين بخصوصيتهم في سائر المجالات، كالأكل والشرب مثلاً، فلو رأيت إنساناً يعادي شخصاً لأنه لا يرغب في نوع معين من الطعام، أو يعزف عن لون آخر، لاستنكرت عليه ذلك، على اعتبار أن هذه الرغبات شأن خاص لا علاقة للآخرين بها، والحال أن الرأي آكد خصوصية، وأشد التصاقاً بنفس الإنسان.
* اجعل نفسك ميزاناً:
وأنت حينما تعادي زيداً أو عمراً لأنه يخالفك في هذا الرأي أو ذاك، هل ترضى أن يعاديك الآخرون على هذا الأساس؟ إنك لا تقبل أن يسيء إليك أحد لأنك تحمل رأياً معيناً، حيث تعتبر ذلك شأناً خاصاً بك، وتعتقد بأحقية رأيك، وعليك أن تعرف أن الآخرين يرون لأنفسهم ما ترى لنفسك.
وفي وصيته الخالدة لابنه الحسن (عليه السلام) يقول الإمام علي (عليه السلام): (( يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تَظِلم كما لا تحب أن تُظلم، وأحسِن كما تحب أن يُحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارضَ من الناس ما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قلَّ ما تعلم، ولا تقل مالا تحب أن يقال لك ))
إنها قواعد أساسية هامة في تعامل الإنسان مع الآخرين، ترجعه إلى ضميره ووجدانه، قبل أي شيء آخر.