أطلس المغرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما تريده موجود هنا .... مرحبا بك معانا


    أخلاقية الأسلوب في الحوار الديني

    lfirdawsse
    lfirdawsse


    عدد المساهمات : 38
    تاريخ التسجيل : 27/08/2009

    أخلاقية الأسلوب في الحوار الديني Empty أخلاقية الأسلوب في الحوار الديني

    مُساهمة  lfirdawsse الثلاثاء سبتمبر 01, 2009 7:48 am

    1- الموضوعية في الحوار والتحرّر من المؤثرات الجانبية التي تبعدك عن طريق الوصول إلى بيت الحقيقة:

    ولتذكر أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) كان يحاور المشركين ليقودهم إلى الإقرار بالحقيقة من خلال تجميده لقناعاته: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (سورة سبأ:24).

    فرغم أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) على (هُدًى مُبِين) ولديه (كِتَابٌ مُبِين) وأكثر الناس معرفة بـ (الضلال المبين) لكنّه يطالب محاوريه بالابتداء من نقطة الصفر وتناسي الخلفيات الفكرية والعقيدية، حتى يكون الحوار متحرراً من أي عامل خارجي.

    ولأجل أن نضع ذلك في إطاره الواقعي، فإنّنا لا يمكن أن ننكر أو نتجاهل خلفياتنا الفكرية، فالمسلم يحاور وهو يحمل فكر الاسلام في داخله، والكافر يحاور وهو يحمل آراءه في ذهنه، ولكنّ المراد من تجميد القناعات السير بالحوار خطوة خطوة وذلك باستدراج العقل إلى ساحة الحقيقة دون ضغط وإنّما بإدراك أن هذا الذي يقوله الآخر ذو حجّة بالغة وبرهان ساطع ودلائل مقنعة.

    وقد تكون المؤثرات نفسية تنطلق من الحبّ والبغض والمزاج والتعصب.. ولو تابعت جميع حوارات النبي (صلى الله عليه وسلم) لرأيت أنّه كان يحاور الكافرين والمشركين وأبناء الديانات الأخرى بحبّ، أي أنّه لم يكن يكرههم ولكنه يكره كفرهم وشركهم ونفاقهم، فيعمل ـ من خلال الحوار ـ على تخليصهم من هذه الانحرافات.

    2- روحية الانفتاح والمرونة:

    افتح قلبك لمحاورك.. وقد قيل إنّك إذا أردت أن تفتح عقله فافتح قلبه أوّلاً، فالحقد والبغضاء أبواب موصدة وأقفال صدئة لا تفتح عقلاً ولا قلباً ولا أذناً.

    لا تتهمه بشيء.. ولا تحمل كلماته محمل السوء، فقد نسب لعمر بن الخطاب (ونسب أيضا لعلي بن أبي طالب) قوله: "ضَعْ أَمْرَ أَخِيكَ عَلَى أَحْسَنِهِ حَتَّى يَأْتِيَكَ مَا يَغْلِبُكَ مِنْهُ".

    فالقاعدة الاسلامية في التعامل مع الآخرين سواء في الحوار أو في غيره، هي أن تحمل أقوالهم وأفعالهم على الصحّة، ولا تلجأ إلى الاحتمالات السيِّئة.

    وقد نسب عمر بن الخطاب (ونسب أيضا لعلي بن أبي طالب): "لاَ تَظُنَّنَّ كَلِمَةً خَرَجَتْ مِنْ أَخِيكَ سُوءاً، وَأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الخَيْرِ مَحْمَلاً".

    3- التركيز على نقاط الاتفاق:

    الحوارات التي تبدأ بمناقشة نقاط الاختلاف والتوتر، أو ما يسمّى بالنقاط الحادة والساخنة حوارات كتبت على نفسها الفشل سلفاً. فلا تسقط الحوار بإثارة مشاعر محاورك في نقاط الاختلاف، وإنّما أكّد على نقاط الالتقاء أو ما يسمّى بـ (الأرضية المشتركة) حتى تمهّد الطريق لحوار موضوعي ناجح.

    والقرآن الكريم يضع هذه القاعدة الحوارية المهمة في صيغة الآية الكريمة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورة آل عمران:64).

    4- أدب الحوار:

    وأدب الحوار ـ كما قلنا ـ هو جزء من أخلاقية الحوار، ويستدعي مراعاة الأمور التالية:

    أولاـ استخدام اللغة المهذبة:

    فالكلمات التي تندرج تحت عنوان الشتائم والسباب والتشهير والتسقيط، ليست كلمات جارحة ونابية فقط، وإنّما كلمات هدّامة لا تبقي مجالاً للحوار ولجسوره بل تنسفها نسفاً. ولذا قال الله تعالى وهو يعلّمنا لغة التهذيب حتى مع المسيئين: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) (سورة الأنعام: 108).

    وقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (سورة النحل:125).

    ثانياـ استخدم اللغة الرقيقة اللينة:

    فالكلمات التي بين يديك فيها (حسن) وفيها (أحسن).. اختر الأحسن ما أمكنك ذلك لأنّه يعمّق العلاقة النفسية والفكرية مع محاورك. ولذا فإنّ الله سبحانه وتعالى حنيما طلب من موسى وهارون (عليهما السلام) أن يحاورا الطاغية فرعون، قال لهما: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (سورة طه:43-44)، أي استعملا في حواركما معه لغة شفافة فيها لطف وليس فيها عنف. ذلك أنّ الكلمات الجافة والقاسية توصد أبواب الاستجابة وتغلق طريق الحوار، وذلك قوله تعالى: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (سورة آل عمران:159).

    ثالثاـ احترم رأي محاورك:

    لأن ذلك يخلق حالة من الانفتاح على الأفكار المطروحة للنقاش. واعلم أن احترام الرأي غير احترام الشخص، فقد تحاور إنساناً ضالاًّ وقد تحترم بعض آرائه، أي أنّك لا تستخفّ بها فتجعله يسخّف آراءك أيضاً، لكنّ الاحترام في الحوار هو جزء من أدب الحوار ولا يعني تبنّي واعتناق تلك الأفكار.

    رابعاـ وهناك توصيات لأدب الحوار، منها:

    - الالتفات إلى محاورك وعدم إبعاد نظرك عنه وكأنّك تتجاهله،
    - وأن لا ترفع يدك كمن يهمّ بضربه،
    - وأن لا تضرب على فخذك لأن تلك علامة الانفعال والتشنج والتأزم النفسي،
    - وعدم رفع الصوت عالياً.

    وحتى نلخّص أخلاقية الحوار وأدبه، نقول:

    - أدر الحوار بعقل بارد بعيد عن التوتر والإثارة، وتذكّر أنّ المحاور المتشنج مهزوم حتى ولو كان الحق إلى جانبه.
    - ركِّز على الأساسيات ولا تدخل في التفاصيل فتضيع في دهاليزها، لأنّ الخوض في الجزئيات والثانويات والفرعيات يفقدك جوهر الموضوع ولا يؤدي إلى نتيجة.
    - مرّ على الماضي، ولكن لا تركز عليه فهو ليس مسؤوليتك الآن.. حاور في المسائل الراهنة.
    - واصل الحوار.. فالحوار قد لا ينتهي في جلسة واحدة، وإذا كانت هناك عدّة جلسات حوارية، ففي الجلسات القادمة ابدأ من حيث انتهيت.
    - بهدوئك وأدبك وأخلاقك جرّ محاورك إلى ساحة الأدب والتهذيب والتزام أصول الحوار، وإذا رفض فلا تدخل في مهاترة.
    - لتكن (الحقيقة) غايتك من الحوار، فما عداها لا يمكن اعتباره حواراً جاداً ونافعاً.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 4:14 am