أطلس المغرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

كل ما تريده موجود هنا .... مرحبا بك معانا


    الإخلاص

    نجمة أطلس
    نجمة أطلس
    Admin


    عدد المساهمات : 134
    تاريخ التسجيل : 15/02/2009
    العمر : 31

    الإخلاص Empty الإخلاص

    مُساهمة  نجمة أطلس الخميس أغسطس 27, 2009 9:27 pm

    كان لملك غلامان وجارية،فأما الجارية فغادة حسناء لم تطأ على سطح البسيطة قدم نظيرتها بهاء وظرفا ولطافة وملاحة،وأما

    الغلامان أحدهما فكان فارسا مغوارا،تهابه صناديد الحروب،وأما الآخر و أبهاهما كان طلعة فكان من صناع فن الكلام يحسن نظم

    المعاني،ويجعل من الحجارة بسحر بيانه ما يشقق فيخرج منه الماء.

    ولما كانا من صنع يد الملك وتربيته،فقد كان يعتز بهما أيما إعزاز،وإذ كان يؤثرهما على حاشيته ويحبهما فإنما يحب فيهما

    ذاته التي أتقنت صنعهما.

    ذات مساء تدثرت فيه السماء بوشاحها المخملي القاتم وتبرجت بزينتها من درر النجوم ولآلئ الكواكب جمعها الملك على

    صعيد واحد وقال:

    بعد أن بلغتما من فحولة الشباب ما أرى وحدة الذكاء ما بلغتما،فقد آن لي الأوان أن أرى إخلاصكما لسيدكما ووالي نعمته

    عليكما،فسيحا في الأرض تسعة أعوام واعلما أنكما غير معجزي الملك،وأنه يعلم خطراتكما وسكناتكما وحركاتكما ولا يخفى

    عليه شيء من أمركما،فأيكما كان أشد ذوذا لسيده أقدرهما على صد المكاره عنه،أعظمهما حبا له،أجزلت له العطاء،وحيي

    حياة طيبة،حتى إذا أتم عهده إلى مدته انقلب إلى سيده فكان حقا علينا أن نجزيه الجزاء الاوفى وإن له عندنا لزلفى وحسن

    مئاب.

    جد كل منهما السعي،فأما الأول فبحدة سلاحه،والثاني بسحرلسانه، الذي كان يبتغي من ورائه- في إطراء سيده وإطراب سمعه

    بحلو الثناء- كسب قلب الجارية لعلمه بمكامن ضعف المرأة، وحبها لعذوبة الكلام، وكان لا ينفك أن يجعل لها نصيبها من الغزل

    وهو يطري سيده،فعلم الملك بسوء طويته وخبث دخيرة نفسه،فأنكحه إياها وجعل له قصرا يسكن إليها فيه ،ذي شرفات واسعة

    تطل على غابات السرو وأشجار الصفصاف العالية،ففرح فرحا شديدا بما آتاه، وامتدت عيناه إلى أكثر من ذلك فصار يداهن

    الملك ويمالقه حتى أمكنه مما طمع إليه ،فجعله أكبر وزرائه، فيزداد هو غيا، والملك يمد له مدا،فاتسع نفوده وكلمته أصبحت مطاعة،

    وغدا يؤلب الجيوش على الملك، ويدعي بسحر بيانه أنه يوحى إليه من السماء أنه سيكون منقذ هذه الأمة ،فلم تعد المملكة تعرف الاستقرار

    وتتعرض لانقلابات متتالية،كلها كانت تبوء بالفشل ليقظة وفطنة الفارس المخلص،والذي لم يظفر من سيده بشيء رغم تفانيه

    وحبه الذي لا يلتبس فيه الشك باليقين ،ربما لحاجة في نفس يعقوب،ولم يغتم على شيء فاته منه إلا اغتمامه على الجارية

    فذلك ما لم يكن يملك لنفسه صرفها عنه،كان لا يرى لنفسه حقا على الملك إلا رضاه عنه وحبه له وراحة سيده وسكون نفسه

    واستقرار المملكة،ولم يكن يتوانى في وعظ صاحبه ويقاسمه إنه له من الناصحين ،وأن هذا الذي يفعله سيعود عليه بالخزي والعار

    وأن لا يغتر بأبواب الرزق التي فتحها له فهي نذير شؤم عليه،فصار يسخر منه ويقول له إنما الخزي والعار هذا الذي يعيشه

    هو، يفني شبابه في خدمته، ولا يرى منه في المقابل إلا الإعراض والصدود ،والإذلال والإقصاء عن أبسط سبل العيش.

    حتى إذا جاء اليوم الموعود وانقضى الأجل،أمرهما الملك أن يجتازا مسالك وعرة ملغمة،وسيجدان ما وراءها جنات

    وعيون ونعيم مقيم، تكون لمن اجتاز المسالك ،فأما الذي اعتاد حياة الإلف والراحة، وكان يقول لصاحبه ولئن رددت إلى ربي

    لأجدن خيرا منهما مالا وولدا فقد مكن لي في العاجلة فكيف لا تكون لي الآخرة،فسرعان ما ابتلعته الألغام،وأما الذي ألف تسلق

    الجبال وصال وجال في الأرض طولا وعرضا دفاعا عن المملكة فلم يكن من العسير عليه تخطي الألغام.

    فمكن له سيده في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء وصار وريث الملك من بعده.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 2:26 am